أبناء اليهود والنَّصَارَى والمجوس وجميع الْمُشْرِكِينَ الذين أشركوا لا حجة لهم عند الله تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ، إلا أن يقولوا: إنا وجدنا آباءنا عَلَى أمة، ونحن عَلَى آثارهم مقتدون ومهتدون ومتبعون، فيقال لهم: لماذا عدلتم وتركتم الدين الذي غُرس في نفوسكم - بالفطرة والإيمان الصحيح واليقين بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى واحد - إِلَى الإشراك؟
وليس الأمر كحال أموركم الدنيوية، لأن الأمور الدنيوية لا يعلم فسادها بمجرد العقل، وإنما قد يتبع فيها الإِنسَان، ويجوز أن يتبع الإِنسَان آباءه أو بيئته في أمور الدنيا، ولا يكون لديه حجة عقلية تبين فساد ما هم عليه، وأما الدين فلا.

يقول المصنف: [فإن الدين الذي يأخذه الصبي عن أبويه هو دين التربية والعادة وهو لأجل مصلحة الدنيا فإن الطفل لابد له من كافل] وأحق النَّاس بكفالة الطفل أبواه، فتجعل الشريعة الطفل مع أبويه عَلَى دينهما في أحكام الدنيا الظاهرة، فهو منهم، كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نساء وذراري الْمُشْرِكِينَ أنهم منهم في الدنيا، أي: حسب الأحكام الظاهرة، أما لو مات فإن له حكماً آخر في الآخرة، وتفصيله هذا سيأتي فيما بعد.
لكن المقصود هنا أن الإِنسَان لما كَانَ لابد له من مربي يربيه فإنه يسير عَلَى ما يربيه عليه أبواه، فإذا كَانَ الأبوان مشركين وربياه عَلَى الشرك، فليس له عذر ولا حجة يَوْمَ القِيَامَةِ؟ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعطاه العقل والهداية والفطرة التي يعرف بها أن هذين الأبوين عَلَى الشرك بخلاف بقيه الأمور. كما قال المصنف: [ولهذا جاءت الشريعة بأن الطفل مع أبويه عَلَى دينهما في أحكام الدنيا الظاهرة وهذا الدين لا يعاقبه الله عليه عَلَى الصحيح حتى يبلغ ويعقل وتقوم عليه الحجة] وهذا إشارة إِلَى الخلاف الموجود في المسألة.